رجع النبي صلى اللّٰه عليه وسلم من غزوة العشيرة، فلم يقم صلى اللّٰه عليه وسلم بالمدينة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في طلبه، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة. 1 وتسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولى أيضا، وهي دورية قتالية، قادها الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم بنفسه، وذلك في جمادى الآخرة من السنة الثانية للهجرة، طارد بها قوات خفيفة للمشركين أغارت على مراعي المدينة ونهبت بعض المواشي. 2
كان بالمدينة جبل، يسمى شفر، في أصل حمى أم خالد، يهبط إلى بطن العقيق، وكان يرعى به سرح المدينة. 3 فأغار عليهم كرز بن جابر الفهري. 4 ونهب بعض إبلهم ومواشيهم، التي تسرح للرعي بالغداة. 5 ولما أخبر النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فخرج على إثرهم في سبعين رجلا من أصحابه لمطاردته. 6 حتى بلغ سَفوانَ، موضعا من ناحية بدر، وكان علي بن أبي طالب رضي اللّٰه عنه حامل لواء الحرب. 7 وفي الحقيقة، إنها أول خطوة خطاها من أهل مكة كرز بن جابر ضد أهل المدينة، وكانت مهاجمة عدائية على دولة إسلامية يجب الرد عليها بكل قوة وشدة، ولذلك خرج النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بنفسه إلى ناحية، وبعث سعدا بن أبى وقاص رضي اللّٰه عنه فى ثمانية رهط من المهاجرين، إلى ناحية أخرى، فبلغ الخرار، ورجع إلى المدينة، ولم يلق حربا. 8 والنبي صلى اللّٰه عليه وسلم أيضا بلغ سفوان، لكن فاته كرز بن جابر، فلم يدركه، ثم رجع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادي الآخرة ورجبا وشعبان. 9
إن هذه الإستراتيجية الحربية التي اتخدها النبي صلى اللّٰه عليه وسلم أوضحت على أهل مكة أن القيادة الإسلامية لديها قدرة تام وقوة كاملة للرد على أية خطوة حربية همجية، وأن المسلمين لن يتنازلوا عن حريتهم السياسية ولو تفرض عليهم الحرب.