Support the largest ever research project (100 Volumes+) on the Seerah of Prophet Muhammad ﷺ.
Your support ensures that his message, mission and teachings reach billions of hearts across the world. Donate Now!

Encyclopedia of Muhammad

خصائص اللغة العربية

Published on: 05-Mar-2025

إن اللغة العربية هي أول لغة بدأ النطق بها في جزيرة العرب، وكثر النطق بها حتى وصلت إلى أوج الكمال قبل فجر الإسلام عام العاشر بعد ستمائة من الميلاد. أما تحديد الفترة التي نشأت العربية فيها فتتعارض الروايات التاريخية في ذلك. ونقدّم هنا دارسةً تبحث عن بدايتها وعن قدمها مع فتراتها الثلاثة، وسنقوم بتحليل وتنقيح الروايات الواردة في هذا الباب؛ لينكشف النقاب عن حقيقة خفية وراء أقوال ركيكة. ثم نلخص خصائص ومزايا اللغة العربية، كما نبحث عن مكانتها الفائقة التي نالتها من خلال اللغات الأخرى، وأخيرًا نوضح الإعجاز البلاغي للقرآن المبين بكل بسط وتفصيل.

بداية النطق الإنساني

يرى سقراط ٭ أن أسماء الأشياء خلقها الله تعالى، وهي أفضل الأسماء. وقد ذكر أفلاطون فكرته هذه في كريتليس 391d-e. وتابعه إيونوميس -الذي كان فيلسوفًا كبيرًا عام 394 إلى 335 قبل الميلاد- قائلًا بأن اللغة من خلق الله تعالى لا من صنع البشر. ( ) وأطلق إيونوميس كلمة اللغة دون أي تقييد بلغة خاصة، فتحتمل كلمة اللغة لغةً واحدةً وتحتمل لغات متعددة. ونفس هذا الموقف وارد في سفر التكوين أيضا. ( ) وهذا دانتي (Dante) يزعم أن لغة الإنسان الأول -وهو أبو البشر آدم عليه السلام- خلقها الله تعالى. فيقول:

I say that a certain form of language was created by God along with the first soul; I say 'form' with reference both to the words used for things, and to the construction of words, and to the arrangement of the construction. ( )
"أنا أحسب أن الله تعالى لما خلق الروح أي: آدم عليه السلام خلق معه لغةً مخصوصةً، فيها أسماء الأشياء كلها، مع تركيب حروفها، وارتباط بعضها ببعض".

تشير هذه الآراء إلى أن اللغة الأولى كانت من مخلوقات الله تعالى لا من مصنوعات الإنسان، بالإضافة إلى أن القرآن الكريم أيضاً يؤيد هذا الموقف. قال الله تعالى في التنزيل العزيز: وَعَلَّمَ اٰدَمَ الْاَسْمَاۗءَ كُلَّہَا ۝. ( ) وهي أسماء نطق بها آدم عليه السلام بأصوات ولهجات مخصوصة، وهي أول نقطة النطق البشري، وبها نطق بعد هبوطه إلى الأرض.

اللغة الأولى

كانت الجنة مسكن الإنسان الأول قبل هبوطه إلى الأرض؛ بدليل قول الله تعالى: وَقُلْنَا يٰٓاٰدَمُ اسْكُنْ اَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّۃَ ۝. ( ) ثم هبط إلى الأرض؛ امتثالًا بأمر الله عزّ وجلّ: وَقُلْنَا اھْبِطُوْا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۝۰ۚ ۝. ( ) فقد ثبت أنه كان ساكنًا في الجنة، ومن المؤكد أن لغة أهل الجنة ليست بعبرية ولا سريانية، بل إنها كانت عربية، يروي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لسان أهل الجنة عربي )). ( ) وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ( ) وفي المعجم الكبير، ( ) والحاكم في المستدرك على الصحيحين، ( ) وتمام البجلي في الفوائد، ( ) والبيهقي في شعب الإيمان. ( )

فلا شك في أن آدم وحواء عليهما السلام ما داما ساكنين في الجنة كانا ينطقان باللغة العربية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن آدم عليه السلام كانت لغته في الجنة العربية، فلما عصى ربه سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب الله عليه رد عليه العربية. ( ) ومن ثم إن للعربية أولية وأسبقية في لغات العالم، ولذلك يعتقد أهل اللغة أن معنى قوله تعالى: وَعَلَّمَ اٰدَمَ الْاَسْمَاۗءَ كُلَّہَا ۝. ( ) هو أن الله عز وجل علّمه العربية؛ فإنها من هذا المنطلق لغة إلهامية توقيفية، يقول ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: إن لغة العرب توقيف، ودليل ذلك قوله جل ثناؤه: وَعَلَّمَ اٰدَمَ الْاَسْمَاۗءَ كُلَّہَا ۝. ( ) ويقول رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: علمه الأسماء كلها، وهي هذه التي يتعارفها الناس من دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ( ) وذكر ابن كثير أيضًا أن أول من تكلم بالعربية آدم عليه السلام، وهو الأشبه. ( )

تدل الأقوال والأنقال السالفة على أن اللغة العربية لغة إلهامية، وأن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام خلق معه اللغة أيضاً، وعلمه أسماء الأشياء، ثم أنزله إلى الأرض فكان يوحي إليه ألفاظا وأسماءً حسب ما تقتضيها الحال حتى تكونت منها لغة مستقلة.

استمرار اللغة العربية

نظراً إلى البحث السابق يمكننا أن نقول: إن لغة آدم عليه السلام ولغة أولاده وأحفاده هي العربية ما داموا قاطنين في منطقة واحدة، ثم اختلفت لغاتهم ولهجاتهم وأصواتهم بعد ما كثروا، وتفرقوا في الآفاق والأطراف يمينًا ويسارًا. فاستمرت لغتهم هذه إلى مدة مديدة حتى كان بعض من ركب في سفينة نوح عليه السلام ينطق بها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما عرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي، فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد ‌تبلبلت ‌ألسنتهم على ثمانين لغة، أحدها اللسان العربي، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض، وكان نوح عليه السلام يعبر عنهم. ( ) وبناءً على ذلك، ذهب المؤرخون إلى أن العرب البائدة الذين كانوا قبل يعرب بن قحطان من عاد وثمود وغيرهم كانوا يتكلمون العربية. ( )

قِدم اللغة العربية

يدل على قدم العربية كونها لغة أولى، فهي أقدم اللغات كأولاها، واتفق المؤرخون على أن لسان العرب العاربة - هم العرب الأولون- العربية؛ وذلك لما دعاهم النمرود إلى عبادة الأوثان ففعلوا، فأمسوا وكلامهم السريانية، ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم، فجعل لا يعرف بعضهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانًا، ولبني حام ثمانية عشر لسانًا، ولبني يافث ستة وثلاثون لسانًا، ففهم الله العربية عادًا وعبيل وثمود وجديس وعمليق وطسم وأميم وبني يقطن. ( ) كذلك كان أهل اليمن عربًا، منهم جرهم الذي نشأ إسماعيل عليه السلام بينهم، وتعلم منهم العربية، وكانت قبائل من العرب قديمة قبل إبراهيم عليه السلام، مثل طسم وجديس، وكل هؤلاء عرب تكلموا في قديم الزمان بالعربية. ( )

العربية أم اللغات

لقد علم أن اللغة العربية أقدم اللغات وأولاها، ونطق بها آدم عليه السلام، ثم بدأت تنتشر منذ ذلك الزمن في الأقطار والأطراف حتى عمت أكثر بلاد العالم، ومن هذه الناحية تعتبر العربية أم اللغات على الإطلاق، ويعلم استقراءً وتتبعًا أنه لما انتشرت ذرية الإنسان الأول في المدن والقرى أممًا وأقوامًا، وبدأت تتغير لغاتهم ولهجاتهم شيئًا فشيئًا، نشأت في الحضارات والمجتمعات لغات أخرى غير العربية، وأصل كل هذه اللغات هي اللغة العربية، فكأنها أم اللغات، وقد ورد ذكرها في القرآن مقترنًا بأم القرى: وَكَذٰلِكَ اَوْحَيْنَآ اِلَيْكَ قُرْاٰنًا عَرَبِيًّا لِّتُنْذِرَ اُمَّ الْقُرٰى وَمَنْ حَوْلَہَا ۝. ( ) وتشير هذه الآية إلى أن أم القرى مهبط الإنسان الأول، وأنها أول بقعة نشأ فيها المجتمع البشري من آدم عليه السلام، وهو أول من أسّس البيت، وصلى فيه، وطاف به. ( ) وفي التنزيل العزيز: اِنَّ اَوَّلَ بَيْتٍ وُّضِــعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِيْ بِبَكَّۃَ مُبٰرَكًا وَّھُدًى لِّـلْعٰلَمِيْنَ۝۹۶ۚ. ( )

فأم القرى هي موضع برز فيه المجتمع البشري إلى حيز الوجود، وهي أول موضع أكبّ الإنسان فيه على عبادة الله تعالى، فكانت اللغة المنطوقة في أم القرى هي أم اللغات، ثم تفرعت منها لغات أخرى كلغة سامية وغيرها؛ وذلك أن اللغة العربية كانت لغة رسمية لأهل مكة من بداية الأمر، ولم يكن النطق بها محصورًا في جزيرة العرب فحسب، بل كانت لغة القبائل الرحالة التي تختلف من مكان إلى مكان حسب مدارها السنوي، ولما انتقلت إلى أفريقيا خلف البحر الأحمر اختلطت بسكانها الأهليين وامتزجت بهم، ثم أثّر هذا الاختلاط على لغتهم العربية تأثيرا بليغا حتى تشكلت منه لغة حبشية، وهي في الأصل لغة من اللغات السامية. ( )

لغة إسماعيل عليه السلام

كانت الجزيرة العربية موطن بني سام، وأيًّا كانت اللغة التي تكلم بها بنو سام، لكن الأوضاع الجغرافية والطبيعية تشير إلى أن لغتهم كانت عربية تسمى آرامية؛ لأن أشهر وأعظم القبائل الساكنة فيها بنو إرم بن سام، فالآرامية هي فرع العربية الأول، وهي لغة إبراهيم عليه السلام، ونقل السيد سليمان الندوي أن عالمًا مسيحيًا -وهو القس جبريل أستاذ اللغتين العربية والسريانية في المدرسة الرومانية- أكد أن علماء اللغة السريانية بالغوا مبالغةً كبيرةً في قِدم اللغة الآرامية، فزعموا أنها لغة آدم، لكن المحققين لا يزيدون على أنها لغة إبراهيم جد العبرانيين، فإذًا ليست العبرية لغة إسماعيل عليه السلام الأصلية، وإنما هي العربية الآرامية. ( )

كانت ثمود من بني سام، وكانت لغتهم أيضًا عربية آرامية، وقد اكتشفت في شمالي الجزيرة العربية لوحات وكتبات، عليها نقوش باللغة العربية الآرامية، ما يؤكد أنها لغة استمرت من زمن إسماعيل عليه السلام. كما أن العرب يسمون لغة العرب البائدة بالمسند، قال الحموي: أهل المسند عاد وثمود والعماليق وجرهم وعبد بن الضخم وطسم وجديس وأميم، فهم أول ٭ من تكلم بالعربية بعد البلبلة، ولسانهم المسند وكتابهم المسند. ( ) ومن الجدير بالذكر هنا أن المراد بـ"المسند" هو العربية المعهودة، ويراها العرب أول فرع تفرعت من العربية، فقد كانت العربية منطوقة في الأمم السامية الأولى، ولما كثروا وكثرت ذراريهم وانتشروا في الأنحاء بقيت اللغة العربية فيهم لغة التحاور والتحادث.

تبلبل الألسن (الفترة الأولى للعربية)

نذكر هنا المراحل أو الفترات التي مرت بها اللغة العربية، ولا بد لمعرفتها أن نذكر قصة تبلبل الألسنة؛ فإنها الفترة الأولى، وبها نعرف أن اللغة العربية هي أول لغة برزت إلى حيز الوجود، فالفترة الأولى للغة العربية تبدأ من آدم عليه السلام، وتنتهي على تبلبل الألسنة، وقصة تبلبل الألسنة وردت في سفر التكوين على النحو التالي:

" كانت الأرض كلها ‌لسانًا ‌واحدًا ‌ولغةً ‌واحدةً، وحدث في ارتحالهم شرقًا أنهم وجدوا بقعةً في أرض شنعار، وسكنوا هناك. وقال بعضهم لبعض: هلم نصنع لبنًا ونشويه شيًا، فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الحمر مكان الطين. وقالوا: هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسما؛ لئلا نتبدد على وجه الأرض. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد، ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه. هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة. لذلك دعي اسمها بابل؛ لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض، ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض". ( )

يقول شارح الأسفار وليم ماكدونالد في تفسير هذه الآي: أدان الرب الناس بأن بلبل لغتهم، كان ذلك بداية ظهور اللغات المختلفة التي نجدها في العالم اليوم، يوم الخمسين على العكس من بابل، حيث أن كل إنسان سمع أعمال الله العجيبة بلغته الخاصة في ذلك اليوم. وبابل: تعني بلبلة أو تشويش، وهي النهاية الحتمية لأي اتحاد يترك الله خارجًا، أو لا يحظى بمصادقة الله. ( ) وسبب تبلبل الألسنة هو أنهم قد فعلوا ما نهوا عنه. ( ) وهذا ما ذهب إليه شراح الأسفار. أما المؤرخون الإسلاميون فهم أيضًا يقولون: إن عذاب تبلبل الألسنة نزل على الناس بسبب تلوثهم وتورطهم في رجس الأوثان في عهد الملك نمروذ بن كنعان حيث أكره رعيته على عبادة الأصنام، فسلب الله تعالى عقولهم؛ عقابًا لهم، واختلّت حواسهم حتى فقدوا قدرتهم على التكلم وعلى فهم الكلام، فبدأوا يتكلمون بما لا يُفهم، وتبلبلت كلماتهم، وفسدت ألفاظهم، وخربت أصواتهم، واختلطت لهجاتهم، فلم تبق لغتهم على شكل صحيح سالم، وأصبحوا معتوهين مجانين، وتكونت من أصواتهم المختلفة لهجات متنوعة، ونتيجةً لذلك تعددت لغاتهم، وذلك كان في عهد الملك نمروذ. قال الطبري: كان يقال لعاد في دهرهم عاد إرم، فلما هلكت عاد قيل لثمود إرم، فلما هلكت ثمود قيل لسائر بني آدم أرمان، فهم النبط، فكل هؤلاء كانوا على الإسلام وهم ببابل، حتى جاء ملكهم نمرود فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا، فأمسوا وكلامهم السريانية، ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم، فجعل لايعرف بعضهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانًا، ولبني حام ثمانية عشر لسانًا، ولبني یافث ستة وثلاثون لسانًا. ( ) والمدة التي كانت بين الطوفان وبين تبلبل الألسن بأرض بابل ستمائة وسبعون سنة. ( )

قيل: إن الذين كانوا مع نوح عليه السلام ونجوا من الطوفان هم ثمانون نفسًا، وتمام ثمانين ممن أسلم، وغرق جميع الخلق غير هولاء الثمانين، فأرفأت السفينة إلى الجودي فخرجوا منها، فابتنوا ثمانين بيتًا، فسميت سوق ثمانين، فلما كثروا ابتنوا بابل. ( ) ثم دعاهم ملكهم نمروذ إلى عبادة الأوثان وإلى الانحراف عن الإسلام، فأكبوا على الأصنام دون عبادة الله تعالى، فسلب الله عقولهم، وتغيرت لهجاتهم وأصواتهم وكلماتهم، وتبلبلت لغاتهم، وأصبحوا معتوهين ليس فيهم رجل يعرف كلام صاحبه. وهنا انتهت الفترة الأولى للغة العربية التي كانت بدايتها من آدم عليه السلام ونهايتها تبلبل الألسنة.

Powered by Netsol Online